عدنامعكم ومع الطالب يوسف عصام
.
كان العلماء في القرن التاسع عشر يعتقدون أن النجوم تحترق بما يشبه كثيرا الاحتراق التقليدي، أي أن عناصر مختلفة تتحد معا لتشكل مركبات جديدة، . فهذا ما يحدث في الاحتراق: إذ تتحد ذرات الكربون الموجودة في الفحم أو الخشب مع الاوكسجين الموجود في الهواء وتتحول إلى ثاني تاكسيد الكربون (الدخان) وأول اكسيد الكربون(غاز سام) وهذا التفاعل الكيماوي يطلق الحرارة.
وتمثل الجاذبية وسيلة فعالة لإطلاق الطاقة، فالشلالات على الأرض ظلت تدير العجلات وتطحن الغلال طيلة قرون. واليوم تستطيع الشلالات أن تولد طاقة هيدروليكية تكفي لإنارة مدينة. والمفتاح هنا هو الشد " الجذبي أو الثقالي " القوي لكتلة الأرض.. ولما كان وزن الاشياء يزيد ثلاثين ضعفا على وزنها على الارض بسبب اختلاف الكتل، فإن جاذبية الشمس هي بالمثل وسيلة أكثر فعالية لإطلاق الطاقة. وهي تستيطع أن تولد الكثير من الحرارة بأن تتقلص بفعل وزنها هي نفسها..
وتتكون النجوم كما قلنا في بداية التقرير عندما يحدث لسحب الغاز في الفضاء أن تقع معا تحت تأثير جذبها المتبادل. وينتج ذلك السخونة المبدئية للنجوم الأولية، وفي وقت مبكر تماما..
ولكن، لو كانت هذه القصة فحسب لما بقيت النجوم طويلا، لأن عليها في هذه الحالة ان تستخدم وقودها بمعدل هائل لتجعلنا دافئين ونحن على بعد 100 مليون ميل ..ولظلت تنكمش كل سنة عشرات الأمتار..
حير هذا اللغز علماء القرن التاسع عشر، وتوالت الاكتشافات السريعة بعد ان كشفت ماري كوري وزوجها النقاب عن النشاط الاشعاعي لعنصر الراديوم، وهو عنصر له نشاط اشعاعي تلقائي هو من الكبر بحيث يجعله يبث دفئا وطاقة محسوسة وتوهجا في الظلام..
أدرك عندها آرنست رذرفورد وزملاؤه في العمل في كمبردج ان ما يحدث في النشاط الاشعاعي هو أن الذرات تنفجر، وتتغير من نوع إلى آخر بدلا من ان تمتزج معا كما يحدث في حالة احتراق الفحم او الخشب..
والذرات تتكون من اليكترونات خفيفة الوزن تحيط بمركز أكثر ثقلا واندماجا، وهو نواة الذرة. ونواة الذرة لها بنية داخلية من جسيمات لها كتلة تسمى البروتونات والنيترونات. والتفاعلات الكيميائية تتناول الاليكترونات التي في الاطراف ، أما النشاط الاشعاعي فيتناول إعادة تنظيم البروتونات والنيترونات الموجودة في النواة.
يؤثر النشاط الإشعاعي على أنوية الذرات بطريقتين، هما الإنشطار النووي، والاندماج النووي.
الإنشطار النووي: يحدث الانشطار النووي(وسمي النووي نسبة الى النواة) في أنوية العناصر الثقيلة،مثل اليورانيوم، حيث تنشطر النواة الرئيسية،او النواة الأم، الى نواتين أخريين، بحيث يكون مجموع كتلتيهما أصغر من كتلة النواة الأم،وفرق الكتلة يخرج على شكل طاقة، هائلة...وتتم عملية الانشطار النووي هنا في المفاعلات النووي، حيث يتم تسريع نيترونات الى سرعات هائلة، بحيث عندما تصطدم بأنوية العناصر الثقيلة تلك فإنها تخترقها،، والزيادة في عدد
النيترونات هذا يجعلها غير مستقرة فتنشطر..
الطريقة الثانية هي،
الاندماج النووي: على عكس الانشطار، يحدث الاندماج النووي لعناصر خفيفة( لا يزيد عددها الكتلي عن 20)..يعتبر الاندماج النووي وكانه عملية عكسية للإنشطار، حيث تتحد نوايتين خفيفتين لتكوين نواة أثقل.. وبالمثل، فإن كتلة
النواة الجديدة أقل من مجموع النواتين المندمجيتن،وفرق الكلتة كما اتفقنا يخرج على شكل طاقة...
وتندمج الانوية الخفيفة في حالتين رئيسيتين: إما ان تتحرك بسرعات هائلة لتصطدم، او ان تسخن لتكون الحرارة اكثر من 10 بلايين درجة مئوية لكي يبدأ تفاعل الاندماج!..
الآن،، ما الذي يحدث داخل الشمس ؟؟
وزن الشمس يسبب ضغطا مكثفا عن مركزها، ضغطا يوزاي ما يقرب من 200 بليون ضعف ضغطنا الجوي على سطح الأرض.. وتنجو الشمس من التقلص لأن الغاز الموجود في المركز يضغط في الاتجاه المعاكس..
حرارة الشمس الداخلية تبلغ 20 مليون درجة،،وهي حرارة تكفي لأن تدفع البروتونات معا كي تندمج..
إذن، اتفقنا ان الشمس تحوي غاز الهيدروجين بدرجة أساسية،، ولنرى ما يحدث داخلها اختصارا، فلندرس معا المعادلات التالية،،
المعادلة الأولى، توضح بدايات تفاعل الاندماج النووي، حيث تتحد نواة ذرة الهيدوجين المكونة من بروتون واحد مع أخرى مشابهة لها، مما يكون الديترويوم، والكيترون ونيترينو الاليكترون.
هذا التفاعل يصنف ضمن قائمة التفاعلات النووية الضعيفة، وأي تفاعل ينتج جسيم ليبتون( وهما هنا الإليكترون ونيترينو الاليكترون) هو تفاعل بطيء،،للغاية، هذا التفاعل يستغرق 5 بلايين سنة كي يحدث داخل الشمس!!،
أما بالنسبة للمعادلة التالية، فهي تمثل تفاعل كهرومغناطيسي،، ويستغرق حدوثه ثانية واحدة فحسب،، بينما المعادلة الثالثة تمثل تفاعلا نوويا قويا،هو تحول نظير الهيدروجين الى هيليوم، ويستغرق حدوثه 300 ألف عام فقط...
في الماضي البعيد كان احتراق الهيدروجين يحدث أساسا في اللب ، وفي الطبقات المحيطة به لم يكن يحصل أي شيء،، وبعد ان انتهى الهيدوجين الموجود في اللب وتحول جميعه الى هيليوم، بدأت الطبقات الخارجية لنجمنا الشمس بحرق مخزنها من الهيدورجين بينما بدأ اللب بحرق مخزونه من الهيليوم..
تحتوي الشمس على 7× 10^ 56 بروتون في لبها!!، وهذا يحتاج 10 بلايين عام كي يحترق 10% فحسب من هذه الكمية الهائلة!!
وهكذا،، لا يعود هناك شك في ان تفاعلات الاندماج النووي هي مصدر طاقة الشمس، فالإندماج يحدث بالسرعة الكافية لأن تظل الشمس تحترق،لكنه أيضا بطيء بما هو كاف لبقاء الشمس الزمن الكافي لأن تنشأ حياة ذكية على أحد كواكبها..
ويمثل تحول الهيدروجين الى هيليوم أغلب، وليس كل ما يحدث داخل الشمس. فاحيانا تتصادم ثلاث نوى للهيليوم وتندمج لتصنع نواة واحدة للكربون.
وما إن يتكون الكربون، حتى يصبح هدفا سهلا للبروتونات الموجودة في كل مكان، فيمتص واحدا منها ويتحول الى نيتروجين. وباصطدامين آخرين بالبروتونات مع بثه من نشاط اشعاعي ينتج الاوكسجين واشعة غاما،، وجسيمات وأطياف ساخنة هي جسيمات النيترينو التي تحدثنا عنها سابقا في المعادلة الأولى..
وبصدمة أخرى بأحد البروتونات ينشطر الاوكسجين الى نواة هيليوم وكربون..وهكذا وكأننا نسير في دورة..
ونتيجة هذا كله هي أن الكربون يعد مادة محفزة : فهو يلتهم البروتونات من قلب الشمس ويغير من أوضاعها عدة مرات قبل ان ينتهي الى الكربون والهيليوم واطلاق الطاقة..وهكذا،،فإن الشمس تتغير ببطئ من قنبلة هيدروجينية الى كرة من الهيليوم...
تحوي الشمس في لبها أعدادا هائلة من الاليكترونات،،والايونات كما توضح المعادلات السابقة..وعندما يصطدم أيون بإليكترون فإنه يصدر إشعاعا هو الفوتونات.. تبقى هذه الفوتونات محبوسة داخل الشمس ولا تخرج الا بصعوبة،، والسبب يكمن الحركة العشوائية التي تواجهها داخل الشمس..
هناك حل رياضي يوضح ما سنقوله الآن،،لكن لأغراض التبسيط يكفي أن نقول ان الفوتونات تسير متخبطة وتصطدم ملايين المرات بكل الجسيمات والالكيترونات والانوية الموجودة بكثافة داخل لب الشمس.. وهذا ما يسمى بـ ، وبعد حسبة بسيطة يمكننا ان نرى ان الفوتونات تستغرق 50 ألف سنة لكي تخرج من باطن الشمس!!!،، ولو كانت تخرج مباشرة لما استغرقت اكثر من 10^-8 من الثانية!..
تحوي الشمس الآن ما نسبته 71% هيدروجين،
27% هيليوم، و
2% عناصر ثقيلة..مثل الحديد.
،،كيف نتأثر نحن بما يحدث داخل الشمس؟..
تنتقل طاقة المشس على شكل اشعة تحملها الفوتونات،، واشعة جاما،، وبعض الجسيمات المنطلقة من بروتونات واليكترونات،،وايضا جسيمات النيترينو الملغزة.